في يوم من الأيام - رحلتي مع ألمانيا 2



مرحباً أعزائي القراء،

أعاود السرد هنا عن مرحلة تعلم اللغة التي قضيتها لوحدي في بلدي وبين أهلي، لم يكن أحد يعلم بهذا الشغف المستجد سوى عدد قليل جداً من البشر آنذاك؛ وكانوا يظنون أنه مجرد اهتمام عابر لن يلبث أن يخبو ويبرد ويدفن رماده، بينما كنت خلال ذلك الجهد المتواصل أجمع السماد والبذور من كل مكان...، لأن الثمار الممتلئة واليانعة كانت موجودة في عقلي قبل ظهورها على أرض الواقع.

اشتريت جهاز آي بود 2 من شركة Apple، كانت مهمته الرئيسية وقتها تتركز في تسهيل سماع حلقات البودكاست كل مساء قبل النوم بدل الكمبيوتر المحمول، لا أبالغ أن عقلي كان كل مساء يتجول في أنحاء برلين وآخن ولايبزغ وهاله وفي قرون غابرة في التاريخ الألماني... – حتى عندما ذهبت إلى برلين لاحقاً لأول مرة في 2012 كنت دليل أصحابي في المدينة استناداً على معلومات بودكاست من حقبة التسعينات-؛ بدأت مع ذلك مرحلة الاشتراك في منتديات تعليم اللغة؛ وتلك فتحت لي المجال لمعرفة المزيد من المفردات والقواعد؛ والأهم من ذلك التواصل مع متحدثين أصليين للغة غوته، حيث لم يكن يوجد معهد لتعليم اللغة الألمانية في السعودية وقتها.

تعرفت على زوليفا، مسلمة من داغستان أظنها كانت طالبة وتسكن في جنوب ألمانيا، كنت أقضي بعض الوقت كلما تيسر في المحادثة النصية وتجريب الألمانية التي تعلمتها على أرض الواقع، لا تزال تلك الجمل الألمانية محفوظة في إيميلي وأتعجب منها؛ ففيها من الخلط والخطأ ما يجعلها مقصرة للأجل وعصية على المضغ حتى لدى فحول الإبل! لكنها كانت الأساس في تحطيم الخوف من الخطأ والزلل، مرة أجبت بشكل صحيح على سؤال منها وكتبت كلمة (Hurre) القريبة جداً من كلمة (Hure) النابية؛ تدفقت علامات التعجب والاستفهام ولم أكن أعلم ما المشكلة! أوضحت لها أسفي الشديد على الخطأ الغير مقصود...، لم تتواصل معي بعدها رغم تفهمها للخطأ وأنا أعذرها حقيقة؛ فالكلمة لا يمكن هضمها.

ذكرت لي أن امتحان ال DSH صعب جداً فقلقت لهذا رغم أنني في مستوىA1...كانت محادثات قليلة وقد مر عليها الآن عشرة أعوام وقد تجاوزت ال DSH منذ زمن، أرسلت لها قبل أيام من نشر هذه التدوينة رسالة امتنان على الجهد الذي قضته معي في تعليمي وتصحيح أخطائي.

تعرفت كذلك على توماس البرليني الذي كان يدرس العربية في جامعة برلين التقنية، كم كانت فرحتي عظيمة عندما علمت أنه مسلم، أحببنا بعضنا في الله وأسأله جل شأنه وتقدست أسماؤه أن يظلنا في ظله يوم لا ظل إلى ظله، طلبت منه أن يقص عليّ كيف دخل الإسلام فيرد بأنه سيفعل لاحقاً، لم يقص عليّ ذلك إلا بعد حوالي 8 سنوات.

كنت أحرص على ميعاد التحادث معه بالماسنجر لأطل عليه بما عندي من حصيلة ألمانية يافعة، ولطالما كان يخلف مواعيده معي -وربما هو يقرأ هذه التدوينة الآن :) - لكنه كان نعم السند لي وقتها وبعدها وإلى الآن، كان يرسل لي بعض واجباته في الترجمة أو عندما يريد التحضير للامتحان وكنت أصححها له بكل سرور، كنت أخصه بمزيد عناية ونصح لأنه في نظري وقتها مسلم جديد ويحتاج إلى العطف والدعم...، كان يخبرني عن تعلمه الأسبانية وعن جهازه المحمول الذي يسخن ويصدر صوتاً مثل الطائرة...

تعرفت عليه في 2009 ونحن الآن في 2018 وقد زادت صداقتنا جداً وتحول ماسنجر ياهو إلى كتابة الرسائل النصية SMS بشكل مجاني؛ فكلانا الآن عنده رقم هاتف محمول من شركةO2  وأصبحنا نتزاور أكثر من مرة خلال السنة ونتحادث ونتبادل الخبرات في أمور كثيرة بشكل أسبوعي، أخبرني لاحقاً عندما كنا نتفاهم في أمور تجارية أن اسمه ليس توماس وأنه من أصل مصري وأنه أخفى علي ذلك آنذاك لأنه كان يخشى أنني أخطط لاستغلاله مالياً! احتاج الأمر بعض الوقت كي أتقبل الصدمة وأعتاد على اسمه الأصلي!
منك لله يا توماس!! :)

مارست كذلك ما تراكم عبر التعلم والاحتكاك في التواصل مع خبراء ألمان تعاوننا معهم في شركتنا وأذكر فرحتي الغامرة عندما فهمت كلمة "wärmebehandelt"  في التقارير الألمانية وأعلمت مشرفي وقتها أن المعدن قد عولج حرارياً، قابلت شخصاً سويسرياً في معرض لمنتجات الحماية من التآكل وتحدثت معه قليلاً بالألمانية والجميع كان منبهراً من حولي! اشتريت ترجمة لمعاني القرآن الكريم بالألمانية وكنت أترجم ما أعمله من تقارير وجداول ملفات عرض وغيرها إلى الألمانية وأحتفظ ببعضها وأرسل بعض الترجمات أحياناً إلى "توماس" وأول شيء اشتريته من أمازون عام 2009 كان قاموس ألماني إنجليزي في الكيمياء... 

كانت مسألة السفر إلى ألمانيا مجرد مسألة وقت لأن عملية التخصيب اللغوي وصلت إلى مستويات عالية وكان لابد من إيجاد فرصة ما لتطبيقها على أرض الواقع.

هناك شخصيات عديدة تعلمت معي وساعدتني وأود أن أشكرهم جميعاً وليس بالإمكان سرد كل حكاياتي معهم. 

لكم مني أطيب التحايا أينما كنتم وألقاكم قريباً في جزء قادم بإذنه تعالى وتوفيقه.

Kommentare