مرحباً بكم أعزاءي القراء أينما كنتم، ولعل
أحرفي على قلتها هذا اليوم أو هذه الليلة تجد مستقراً لها في قلوبكم وعقولكم
فتأنسون بها وتشتاقون إلى تتمتها.
كما ذكرت فإنني بعد عودتي من ميونخ أخذت أفكر
بالأمر بجدية أكبر وبحس أعمق؛ حيث أنني شاهدت إيقاع ساعة الحياة اليومية بنفسي
ومشيت في أرجائها بشخصي -أو هكذا حسبت 😊-؛ وقمت بتجارب بسيطة خلال الاسبوعين -وأثبت الزمن
لي لاحقاً أن أكثرها ساذج ولا يمكن تعميمه-، انخرطت بعدها بشكل قريب في تدريب عملي
في أحد مصانع الشركة وكنت أشاهد المعدات وأبراج التبخير والمبادلات الحرارية
وطريقة صيانتها وتنظيفها في وقت إطفاء المصنع الدوري... لم يلهني كل ذلك؛ بل كنت وفي أي فرصة لوقت فراغ أو خلال
مشواري من وإلى مكان المصنع أو في رحلات العمل أستمع إلى نصوص ألمانية، وأصبح تواصلي
مع توماس المذكور في الحلقة 3 أكبر؛ فأصبحت أصحح ترجماته وأرسل له ترجماته في مواضيع
كثيرة وأنا ما أزال أحبو في ال A1 و A2! صرت أقرأ وأستمع
إلى أسماء مثل المفكر مراد هوفمان وبدأت ثقافتي الألمانية رويداً رويداً تتغلغل في
السياسة والتاريخ والأدب والألماني وكثير كل المجالات -عدا ثقافة كرة القدم
والبنودسليغا وإلى اليوم 😊-، كنت أترجم المفردات التي أتعلمها في التدريب إلى الألمانية والإنجليزية
بالتوازي... لم أكن أعمل إطلاقاً أن عصر الانفتاح المعرفي الكبير وقتها سيغير
حياتي ولم يكن أحد يراهن على ما أفعل سوى نفسي تقريباً.
بدا لي بعد زمن أنني أصبحت أعيش بجسدي في
السعودية؛ لكن قلبي وتفكيري وأحلامي كانوا قد أزمعوا الانتقال إلى الغرب دونما استئذان من عقلي؛
بالضبط كمن ينقل أثاث بيته قطعة قطعة إلى مكان آخر قبيل ابتداء العقد الجديد، تقدمت
بطلب البعثة إلى ألمانيا في آخر يوم في مهلتها وكنت لا أزال على رأس العمل قد
قاربت على إكمال ثلاث سنوات خبرة، كنت أضعها في إطار (سيكون جيداً الذهاب إلى هناك
لكن لن تكون النهاية إن لم يتم هذا الأمر)، ما أدهشني فعلاً أن حماسي ونشاطي في
العمل خفّا بشكل متدرج وكبير من بعدها ولم أعد أجد أدنى أمل وتفاؤل في العمل،
أدركت أن أكثر الأثاث الفكري والوجداني قد انتقل وأصبحت كلما رأيت شيئاً سيئاً أو
بائساً ينتقل تفكيري تلقائياً إلى ألمانيا كبلد لا يوجد فيه أدنى ظواهر تخلف وسوء إدارة وتعامل... التفكير
المنطقي والمادي كان يقول لي أن ما فعلته كان في منتهى السذاجة، لم أكن ساذجاً
البتة ولم أندم وأحمد الله على كل ما فعلت.
انفجر برميل الربيع العربي في ديسمبر سنة
2010؛ وبعد أن زرت القاهرة في إطار عمل وسكنت في فندق سميرأميس القريب من ميدان
التحرير -حيث سكن عمي الأكبر قبل قرابة 28 سنة من تاريخه- بشهرين 😊، كنت أخترق ميدان التحرير على قدمي وقتها ذهاباً وإياباً في الصباح الباكر وهو مزدان بالعشب الأخضر وخالٍ من البشر ولم يدر في خلدي أنه في ذلك المكان -رغم
الكبت الأمني الواضح- سيصيح منادي الثورة وفتجتمع البشر ويتساقط وابل من الرصاص كالمطر وتسطر منه صفحات ناصعة من تاريخ مصر....
صورة لي مع إطلالة على النيل من شرفة فندق كمبنسكي في القاهرة، 3 أكتوبر 2010 |
بدأت حساباتي تتبعثر في الحقيقة وأصبحت أرى الأمور أكثر قتامة من ذي قبل رغم الفرح بتدفق الأموال كشكر للشعب على وقوفه بجانب حكومته... لم تتوان ألمانيا وقتها على الإطلاق التحليق في مخيلتي والظهور كملاك رقيق تمسح عني الأسى والتعب وتعدني بما يهواه القلب المعذب.
جاء قبولي في برنامج البعثة وبدأت وانتقلت إلى مرحلة عنق الزجاجة في مشروعي وأصبحت مسألة تقديم طلب الاستقالة من الشركة أمراً وارداً، كان الأمر قصيراً وخطيراً وكان لا بد من اتخاذ قرارات مصيرية في جميع الأحوال وبسرعة...، الكلمة المناسبة في نظري لتصوير كل ما جرى وقتها هي (ولادة متعسرة Dystokie) لمشروع تم حمله بسلاسة عبر فكرة في الدماغ منذ مايو 2004 وبزغ بصراخه كواقع معاش في مايو عام 2011.
لعلي أكتفي بهذا النص البسيط اليوم وأكمل لاحقاً سرد ظروف الولادة العسيرة بإذن الله وتوفيقه.
Kommentare
Kommentar veröffentlichen
Vielen Dank für Ihren Kommentar.
Mohammed J. Almajhad