أسعد الله أوقتاكم وزانَ بالبشر والطمأنينة لياليكم وأيامكم، أعتذر عن طول الغياب في المدة الماضية حتى أنني نسيت كيف كنت أبدأ
مقدمة مقالاتي فاضطررت للرجوع إلى ما كتبت. 😊
توقفت في الحلقة الماضية عند منعطف خطر في حياتي دخلت
فيه دون تمهل وإبطاء في السرعة، استلمت قبولي في البعثة وأنا لا أزال على رأس العمل
وصار من المحتم اتخاذ قرار مصيري بشأن مستقبلي العملي في الشركة، طال بي التفكير
في مسألة صحة قراراتي وإلى أين أنا ذاهب وما الذي سينتظرني في المستقبل... لم أعد
أستطيع التركيز في عملي -الذي كان يحتاج أصلاً تركيزاً فوق العادة- أو المضي في إقرار
مراحل خطتي العملية مع مشرفي في الشركة وأصبح الطريق من وإلى العمل 100 كلم شيئاً
لا يطاق، كان مديري حفظه الله يظن أن الأمر يمكن أن يحل بانتقالي إلى قسم آخر أقرب
إلى مجالي التخصصي، كنت أقلب وأحسب الكثير من الأمور، كان أحد أصحابي المصريين في
المدينة المنورة قد أوصاني بأن أعطي صديقه في القاهرة سجادة معطرة، انتهزت فرصة وسافرت
إلى القاهرة في 3 أبريل 2011، كان الوضع
العام في القاهرة ما يزال ساخناً لكنني سكنت في فندق في المعادي وأذكر أنني قضيت
الوقت من غروب الشمس إلى إقامة العشاء في سيارة الأجرة من المطار وحتى المعادي، استغلت
الوقت في التحليل المتعمق والتأمل في صفحة النيل الأنيق واستشرت صاحبي علّ الله يفتح علي ما أُغلِق، والحمد
لله على ما يسر له ووفّق، ذهبت إلى الفيّوم ووجدت أحدهم قد كتب على محول كهرباء في وسط
الطريق السريع "يسقط مبارك"، مررنا سريعاً بميدان التحرير ورأيت كم
تغيرت القاهرة بل مصر كلها عليّ جراء غياب أربعة أشهر. 😊
رجعت من القاهرة وفاتحت مديري بمسألة الاستقالة وأوضحت
له الأمر، كان مستغرباً ورجاني في التروي، بذل كل ما في وسعه مشكوراً من أجل الإبقاء عليّ في الشركة
حتى لو أصبحت خارج نطاق إدارته، حسبما أذكر أنني قدمت على الإستقالة بعد إخباره بحوالي
أسبوع، تواصلت مع عدة إدارات ووطلبني مدير المركز التقني من أجل التساؤل؛
فالاستقالة بشكل ما هي خسارة على الشركة وكان يود الاستيضاح منّي، كنت في حالة
عصيبة والشيطان كان ماضياً في إرباكي مع توافد العروض علي من أماكن عدة في الشركة
رجاء أن أبقى، مع الضغط النفسي الكبير كنت أتسائل: أي هذه الخيارات هو الأقضل
وأيها الممكن في الحقيقة؟ سخّر الله لي موظفاً قديماً في الشركة وكان ذا حكمة
وبصيرة، أمرني أن أكتب في ورقة صفوفاً أفقية بها عدة عوامل: (الراتب، الأمان
الوظيفي، التطور العلمي...) وبشكل عمودي خيارات العمل المتاحة لدي، وأضع علامة من
10 في هذا الجدول البسيط، لم تكن هذه الفكرة نافعة بشكل كبير، قال لي: ما العامل
الأقوى لديك بين كل هذه العوامل؟
قلت: تطوري العلمي.
فقال: توكل على الله واذهب إلى ألمانيا، وسترجع بإذن
الله أحسن مما كنت وأجزم تماماً أنك ستجد وظيفة لائقة بك مع شهادة الماجستير...
توكلت على الله وحده وأجمعت أمري على ذلك، لقد أراحني ذلك الكلام وأبعد عني الوسواس وجعلني أكثر عزماً وإصراراً في المضي
نحو ما كنت قد خططت له، كنت أظن أن مسألة الاستقالة ستأخذ وقتاً قصيراً وربما فقط
توقيعان أو ثلاثة؛ كان الحال مغايراً تماماً وكان الوقت يمضي وأنا أتابع المعاملة
وهي تصعد رويداً رويداً حتى أقر نائب الرئيس في مجال البحوث والتطوير استقالتي،
زارنا في الشركة في الشركة لاحقاً وألقى علينا خطاباً تحفيزياً لأن هيكلة الشركة
الإدارية كان يراد لها تغيير جذري لتتناسب مع خطة الشركة لعام 2033، وزارني في
مكتب وتمنى لي مستقبلاً جيداً - كان يحسب أنني موظف ما ولم يضع في باله معرفة اسمي فضلاً أن يذكر اسم شخص ما أقر استقالته قبل أسبوع....
كان يوازي ذلك إعلام عائلتي وأصدقائي بالأمر؛ فأنا لم افاتحهم
بذلك منذ البداية، حصل هناك بعض الإشكالات والاستفسارت البسيطة لكنني صدمت أمامها حتى
النهاية والحمد لله أذكر تماماً أن نفراً كثيراً من أقاربي وأصدقائي لم يعلموا سوى
بذلك إلا وأنا في ألمانيا، في المطار وقبيل رحلتي إلى فرانكفورت عهدت بإدارة إحدى
الاجتماعات العائلية بيننا كأبناء عم إلى أحد الأعضاء من بعدي وأوصيته وطلبت منه
الدعاء، لم أكن قد أعددت لذلك بمثل كفاءة ميركل في اختيار خليفتها أنغريد كرامب
كارينباور أو باسمها المختصر AKK؛ فأصيب الاجتماع الدوري بضمور كبير. 😊
بدأت في إنهاء المشاريع التي بين يدي وأسندت بعضها إلى الزملاء
الذين تمنوا لي مستقبلاً مزهراً وأشكرهم على كريم تعاونهم معي، أذكر بعض الموظفين الجدد
الذين لم أزاملهم إلى لفترة وجيزة وأذكر أن أحد الموظفين الذين ابتعثتهم الشركة قبل
توظيفي وأخذت أنا مكتبه ثم استقلت لاحقاً وهو ما يزال فيبعثته، طلبت من الزملاء أن
ينقلوا له سلامي رغم أننا لم نلتق قط بل رأيت صوراُ فوتوغرافية له، أرسلت إيميلاً
وداعياً وأخذت كتبي من المكتب ووضعتها في كرتون ورجعت إلى البيت وأنا في شرود كبير،
لم يكن قد تبقى على موعد سفري سوى أيام قليلة وكان الموعد المحدد مسبقاً لي قد أجّل
عدة أسابيع نظراً لمسألة الاستقالة، كان ولادة في غاية الصعوبة من نواحي عديدة
وكان هناك احتمال بموت الجنين لكن الله سلّم وخرج طيباً معافى والحمد لله.
زارني بعض الأصدقاء قبيل سفري وودعوني وبدأت بوضع ما أستطيع
حمله -بخاصة الكتب- معي في رحلة اللوفتهانزا إلى دوسلدورف، أتذكر الوقت الذي قضيته
في مطار الدمام وأنا أسترجع مشوار عمري وكأنه كتابٌ مصورٌ في رأسي وكيف أنني قد أغلقت
فصلاً كاملاً منه ب 25 سنة وأنا مقبل إلى فصل قادم ومختلف تماماُ.
أودعكم هنا على راجياً من الله أن تكون زادت فيكم شيئاً
من علم أو متعة وآملاً من الله وشاكراً من الصميم كل من أعانني أو أسدى إلي المعونة
والنصحية والوصية وبالخصوص الوالدين حفظهما الله وجزاهم عني كل خير، وأواصل السرد
بإذن الله لاحقاً وأبين الظروف التي انتابتني أثناء بداية كتابة أول الكلمات في
الصفحة الأولى من الجزء الألماني من حياتي.
ولكم مني خالص الود والتحية.
Kommentare
Kommentar veröffentlichen
Vielen Dank für Ihren Kommentar.
Mohammed J. Almajhad